رحله الآثام منال سالم
ما بيصدق يشوفني عشان يكلمني وآ...
قاطعتها رافعة يدها لها لتكف عن الثرثرة الفارغة
خلاص مش عاوزة أسمع حاجة.
زفرت بتكاسل ونهضت من مكانها متجهة إلى الحمام ومع ذلك لم تتركها ابتهال لحالها تبعتها كظلها وهي تسترسل
لأ بس العربية فخمة الصراحة تجيلها بكام دي
كعادتها حين لا تتوقف عن الكلام تسد تهاني أذنيها عنها وتقوم بما تفعله في صمت تام حيث فرغت من غسل وجهها وكفيها وخرجت من الحمام معها منشفتها لتذهب إلى غرفتها وصوتها اللحوح يلاحقها أبقت على برودها معها واستمرت توضب ثيابها وتجمع ما يحتاج للغسيل جانبا لتعلمها في النهاية
تقطب جبين ابتهال باستغراب آخذ في التزايد وسألتها وهي تبدو مندهشة بشدة
ليه أدوكي أجازة
ظهر الغرور على محياها حين أجابتها
لأ في عربية مخصوص هتوديني وتجيبني من المستشفى.
شهقت في ذهول قبل أن تهلل
إيه ده! عربية مخصوص سيدي على الدلع كله.
ثم التصقت بها كالبق طالبة منها بسخافة
طب ما تاخدي أختك حبيبتك معاكي بدل العطلة والدوخة اللي ببقى عليها كل يوم وفي الآخر الواحد يروح مأريف ويرجع مفرهد.
أنا عاوزة أنام ممكن تطلعي برا.
بقيت مجاورة لها تسألها بتحير
مش هنجيب أكل ده أنا واقعة من الجوع.
تثاءبت وهي ترد
اطلبي إنتي لواحدك.
رفضت ابتهال الذهاب قبل أن تخبرها كذلك بما فكرت فيه باكر
طب بقولك إيه في حاجات كتير ناقصة عاوزة أشتريها هتنفعنا وآ...
بعدين أنا مش فايقة اقفلي الباب وراكي.
بالكاد انزاحت من غرفتها لتغمغم في صوت مسموع ومصحوب تنهيدة طامعة
اوعدنا يا رب بمعارف تقال زي اللي بتعرفهم تهاني يا رب.
رفعت الأخيرة رأسها عن الوسادة لتتطلع إلى أثرها بعدما غادرت غرفتها ساد على وجهها تكشيرة نافرة منها وهي تنهض سريعا لتغلق الباب في التو قبل أن تفكر في العودة وتزيد من إزعاجها بأسلوبها غير المستلذ. استندت بيدها على الإطار الخشبي وابتسامة ناعمة تشق طريقها إلى شفتيها مع تذكرها لمدى الراحة
الفصل الخامس
مكر الثعالب
تراصت المقاعد الخشبية المستأجرة بمحاذاة الحيز الشاغر في صالة المنزل بعدما تم إزاحة معظم الأثاث ليكون ملائما لاستقبال الضيوف في هذه الليلة المميزة. كما تولى أحدهم تعليق الزينات والأنوار البراقة وأضاف آخر حاملا من الورد وضعه بين الأريكتين المخصصتين لجلوس العروسين في منتصف الحضور. أشرفت عقيلة على غالبية من تطوع للمساعدة في إنجاز ما ينقص وتولت بنفسها تجهيز قوالب الحلوى وتحضير الشربات والعصائر الطازجة في حين قامت شقيقتها أفكار بتقطيع الفواكه وحشو الشطائر بقطع الجبن واللحم لتوزيعها على المدعوين بينما جلست فردوس بداخل الغرفة لتقوم جارتها إجلال بمعاونتها في تزيين وجهها بمساحيق التجميل.
تحرك شفيق من مكانه ليجلس مجاورا للعريس مال عليه وهمس له بشيء من الغل
ملاقتش إلا دي يا بدري
ضغط على شفتيه للحظة ثم أخبره بعد زفرة سريعة
على أد ظروفي.
خاطبه پحقد يملأ صدره
يا ابني إنت تستاهل أحسن من كده دي أختها صعب وعملت فيا اللي ما اتعمل وفي الآخر طردتنا.
بناء على تعامله الشخصي معها وحديث خالتها أفكار عن طبيعتها المسالمة كان مدركا إلى حد كبير للفارق بين كلتيهما لذا رد مدافعا عنها
فردوس غيرها.
أصر على رأيه هاتفا بتصميم
الډم واحد اسمع مني...
لم يبد بدري مقتنعا بما يفوه فلجأ إلى إخباره بنوع من الذم
ده غير إن شكلها مش أد كده في ألف واحدة أحلى منها بكتير.
ظل مطرقا رأسه وهو يرد
أهوو النصيب.
انتقل الشقيق الأكبر من موضعه ليجلس في الجهة المقابلة لشقيقه وتساءل باسما
بتكلموا عن مين كده
حذره شفيق بقدر من التهكم
أخوك اللي عملنا فيها شيخ هيوعظنا دلوقت.
تكلم عوض الله منتقدا وصفه المسيء إليه
هو عشان بقول كلمة الحق أبقى وحش
طالعه شفيق بنظرات ناقمة قبل أن يعلق عليه بتحيز
يا سيدي بدل ما تركز معانا شوفلك شغلانة عدلة تاكل منها عيش بدل لفك اللي على الفاضي.
للحظة سكت عوض الله متحفظا على كلامه فقد ارتضى بالعمل نهارا في وظيفة بسيطة كساع بين المكاتب بالمنطقة الأزهرية بالإضافة لقيامه بإنهاء الناقص من الأوراق الرسمية لمن يعجز عن إنجازها في مقابل زهيد أما ليلا فكان يلازم المقرئين خلال إحيائهم الليالي الدينية إما في مناسبات عامة أو في سرادقات العزاء ليختتم يومه بالذهاب إلى المسجد لسؤال إمامه عما ينقص من أعمال ليؤديها هو برضا وحبور. لما طال صمته ظن شفيق أنه أصاب هدفه فتمادى في التقليل من شأنه ليرد عليه أخيرا بتريث
أنا بخدم عباد الله وطالما ربنا سخرني أقضي مصالح الناس ليه أتبطر على النعمة.
سخر منه بلمحة هازئة
يعني إنت عاوز تقنعني إن اللي إنت بتعمله ده بالكام مليم دول اسمه شغل
رد مبتسما وهو يرفع كفيه للسماء
فضل ونعمة من ربنا.
سأله بتطفل شبه سمج
طب ما سبقتش أخوك الصغير واتجوزت ليه!!
سادت في ملامحه لمحات من التوتر فهو لم يستطع الإقدام على هذه الخطوة حتى الآن لضيق ذات اليد ولإنفاقه كامل ما يجنيه على علاج والدته المكلف دون أن يكلف شقيقه الذي يصغره
بستة أعوام عناء هذه الأمور فاكتفى بتحمل الأعباء وحده ودون شكوى. نظر إليه وقال بعد تنهيدة خاڤتة
لسه ربنا مأذنش.
تدخل بدري متحدثا كنوع من التلطيف وهو يربت على ذراع شقيقه
سيبك منه يا عوض بكرة ربنا يرزقك ببنت الحلال اللي تستاهلك.
ثم الټفت ناظرا إلى شفيق ووبخه
إنت جاي تتطلع عقدك علينا يا جدع إنت
دمدم في حنق لم يخبت نهائيا
يا عم أنا معبي وشايل من العيلة دي ولولا معزتك عندي قسما بالله ما كنت عتبت البيت ده!!
قاطع ثرثرتهما حضور عقيلة وهي تحمل في يدها صينية نحاسية اللون مملوءة بكؤوس متشابهة الشكل انحنت قليلا تجاه بدري وقالت بودية حانية
اتفضل يا عريس الشربات.
التقط الكأس الزجاجي وهتف مجاملا
كتر خيرك يا حماتي من يد ما نعدمها.
نهض عوض قائما وأصر على أخذ الصينية منها بتهذيب
عنك إنتي يا حاجة مايصحش تلفي واحنا موجودين.
تحرجت من ذوقه الواضح وناولته إياها وهي تخبره
تسلم وتعيش يا ابني.
هز رأسه مبتسما وسار بين المدعوين يوزع الكؤوس المملوءة بهذا السائل الأحمر وهو يتلقى عبارات التهنئة والمباركة منهم.
قفزت من على مقعد المرآة لأكثر من مرة لتنظر إلى وجهها الذي صار أكثر نعومة وجاذبية بعدما تم إضفاء مساحيق التجميل عليه لتصبح شبه مستعدة للخروج ومقابلة خطيبها وعائلته. لم ترغب فردوس في الإفراط في وضع أحمر الشفاه واكتفت بما زين بشرتها لتقوم بقرص خديها لإعطائهما المزيد من الحمرة الدافئة. تأملت انعكاسها وتساءلت بتهلف
إيه رأيك
أصدقتها إجلال القول
زي القمر ياختي...
ثم قبلتها من أعلى رأسها وتابعت
مبروك يا دوسة وربنا يتمملك على خير.
شكرتها بامتنان ووجهها يزداد إشراقة بابتسامتها المتسعة
تسلمي يا إجلال عقبال ليلتك يا حبيبتي.
استحثها على التعجيل قائلة بمرح
مش معقول هنسيب العريس يستنى.
هزت رأسها تؤيدها ونهضت واقفة لتشد طرفي ثوبها لينساب على خصرها بأريحية شهقت فجأة مصډومة حينما انحنت عليها إجلال لتقرصها من ركبتيها فسألتها مدهوشة وهي ترمقها بهذه النظرة
بتعملي إيه
أجابتها ضاحكة ببشاشة
جايز أحصلك في جمعتك.
حملقت فيها بمحبة وهي ترد
يا رب يا حبيبتي نبقى في ليلة واحدة.
احتضنتها إجلال في سعادة لتتراجع بعدها عنها لتفسح لها المجال لتمر وتتجه إلى باب الغرفة. تفشى الاضطراب في وجدان فردوس وراحت تردد بلا صوت في توجس طفيف
يا رب اجعل في وشي القبول.
ما إن أطلت العروس بهيئتها البهية حتى اتجهت كافة الأنظار إليها لتنطلق بعدها الزغاريد والأصوات المهللة كتعبير عن فرحة الحاضرين بقدومها. مرقت فردوس بين جموع المهنئين بخجل وارتباك اختطفت نظرات سريعة نحو خطيبها الذي نهض واقفا ليستقبلها فرأته بقامته الطويلة وملامحه التي تنضح بالرجولة لحظتها شعرت وكأنها لا ترى سواه ابتسمت له في دلال مطعم بالحياء وأخفضت رأسها خجلا حين جلست مجاورة إياه. تسارعت دقات قلبها في تلهف فرح ثم شبكت يديها معا ووضعتهما في حجرها محاولة التغلب على ارتباكها الظاهر للجميع نظرت إلى جانبها حين خاطبتها والدتها وهي ټحتضنها بنظراتها الحانية
زي القمر ياخواتي.
ابتسمت على استحياء بينما أطلقت خالتها زغرودة عالية أتبعها قولها المهلل
النبي حارسك وصاينك.
قامت والدة العريس بتمرير علبة الشبكة على الحاضرين ليتأملوا ما ابتاعه ابنها لعروسه فقد اشترى لها سوارا من الذهب عيار 21 خاتما ودبلة. استحسنوا حسن اختيارهما فتكلمت والدة بدري طالبة منه بعد أن فرغ الجميع من رؤية العلبة
قوم يا عريس لبس عروستك شبكتها.
استقام واقفا وتناول من العلبة قطعة بعد أخرى ليضعها في يد عروسه ومن خلفه تصدح الأصوات المبتهجة صاحت أفكار في الحضور من النساء بعد أن وضعت فردوس الدبلة في يد خطيبها
ما تزعرطوا يا حبايب خلوا الفرحة تعم.
تقدم بعدئذ عوض
لتهنئة شقيقه واكتفى بالابتسام المهذب ل فردوس قبل أن يعود ليجلس بجوار شفيق وجده على حالته الناقمة فمازحه قائلا
اشرب شرباتك يا شفيق ده حتى الليلة مفترجة.
نظر له شزرا وهب واقفا ليرد بوجوم
أنا قايم.
ثم برطم بعبارات غير مفهومة تعبر عن سخطه قبل مغادرته المنزل ضړب عوض كفه بالآخر متمتما بصوت خاڤت للغاية
ربنا يهديك لحالك.
عاد ليتابع ما يدور بالخطبة وهو يدعو الله في سريرته أن تنتهي الليلة على خير بل ويتم ذلك الأمر دون عقبات لينعم شقيقه بالهناء والسعادة مع زوجة طيبة يستحقها تكون له في النهاية نعم السكنى.
بهدوء حذر سحب من أسفل يده الورقة بعد أن زيلها بتوقيعه ليطالع بتركيز دقيق ما كتب على الورقة الأخرى ظل
فؤاد على هذه الوضعية الساكنة لعدة دقائق ريثما فرغ من مراجعة الملف بأكمله دون أن ينبس بكلمة أعطاه لابنه الواقف خلفه