الخميس 12 ديسمبر 2024

رحله الآثام منال سالم

انت في الصفحة 69 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز

 


من فرط تلاحقها حيث بدت أشبه بالقرع على طبول الحړب.
ضمھا إلى صدره وهو لا يزال يرتجف من ردة فعله السريعة استعاد انتظام أنفاسه وأخذ يتأمل وجه الرضيعة الضاحك ابتسم في براءة لها قبل أن يهمس لها بصدق
مټخافيش أنا موجود جمبك.
راحت الرضيعة تتململ بين ذراعيه في مرح ثم بدأت تتثاءب وتغمض عينيها فاستمر يهزها في رفق حتى غفت. سرعان ما حل هذا التعبير الجاد على ملامحه عندما الټفت ليجد والدته تناظره من نفس موضع وقوفه السابق بعينين تعلوهما الحيرة والدهشة. لم يفكر أوس في إعطائها التبرير لتصرفه وظل يطالعها بنظرات متحفزة ومترقبة لردة فعلها للغرابة دنت منه تهاني متسائلة في صوت مهتم

إنت
عاوز تلعب مع إخواتك
احتفظ بسكوته ورمقها بنظرة غامضة فاستمرت تتحدث إليه بودية وألفة دون أن تطلب منه إعادة الرضيعة
أنا نفسي تبقى كويس معاهم وتحبهم لأن لما هما هيكبروا هيبقوا محتاجينك جمبهم...
كاد كل شيء يسير على ما يرام لولا أن استأنفت كلامها بترديدها
ولو عمو ممدوح بيشد عليك شوية فده لأنه آ...
صم أذنيه عن باقي حديثها حينما تطرق لسيرة من يبغض ناولها الرضيعة لينصرف دون أن ينبس بكلمة فاستغربت من موقفه المعادي وهزت رأسها باستنكار لتحادث نفسها بعدها بتبرم
لو بس أفهم مالك!!
تعكرت سحنتها أكثر ورددت وكأنها على يقين تام من اعتقادها ذلك
أكيد أبوك اللي بيشحنك ضدي طبعا صعبان عليه أعيش كويس ومتهنية مع عيلتي لازم يعكنن عليا بأي صورة.
نفخت مليا وعاودت النظر إلى رضيعتها دون ابتسام ثم أسندتها برفق على فراشها وانتظرت عودة المربية لتتابع أحوال توأمتها هي الأخرى.
كانت رافضة للاستلقاء على الفراش في غرفتها وظلت على حالتها المتوترة تنتظر قدوم مهاب بفارغ الصبر ما إن جاء حتى انهالت عليه بعشرات الأسئلة والأخير يتقن دوره الاحترافي في ممارسة أكذوبة نجاح عمليتها الجراحية دون خسائر فادحة. استرسل في توضيح مدى المجهود الخرافي الذي بذله ليتجنب حدوث مضاعفات لها ومع ذلك تعمد إضفاء قليل من الړعب بإخبارها باحتمالية حدوث مشكلة عرضية تخص الحمل والإنجاب ما لم تكتشف وتعالج في التو.
وكأنه يقدم لها قطعة من الأحجية تعذر عليها فهم لغة المصطلحات الطبية التي يخاطبها بها فغطى وجهها تكشيرة عظيمة مصحوبة بنظرات متحفزة قبل أن يخرج صوتها في لهجة أقرب للثورة
يعني إيه أنا مش فاهمة.
مسح بيده على جانبي ذراعيها صعودا وهبوطا فنفضت يديه قائلة بإلحاح
أرجوك وضحلي كل حاجة وماتكلمنيش بالألغاز.
انتشى داخله لأنه نجح في إرباكها ومع ذلك أبقى على هدوء تعابير وجهه مدعيا تفهمه لحالة الانفعال والتعصب المسيطرة عليها وتعامل معها بحنكة فأخبرها بمكر لئلا يثير شكوكها
يا حبيبتي ببساطة شديدة مقدرش أقولك ده هيأثر على الحمل ولا لأ إلا لما يكون في جواز.
تطلعت إليه بحاجبين معقودين كأنما تدير ما قاله في رأسه ما لبث أن تحولت نبرته للعبثية عندما أكمل
ودي حاجة مش بتحصل بالمراسلة!
لم تخجل من تلميحه المتواري ولم يطل مهاب في مزاحه العابث حيث استطرد في لهجة غلفتها الجدية
أنا مش عاوزك تقلقي من حاجة وقت ما تكوني مستعدية ه...
قاطعته قبل أن ينهي عبارته بقولها الحازم
يا ريت نتجوز في أسرع وقت.
ادعى اندهاشه مما اعتبره قرارها المفاجئ ورسم ذلك التعبير المقنع على وجهه لتصدق أنه في حالة من الصدمة لحظتها وضعت ناريمان يدها على ذراعه وضغطت عليه هاتفة في إصرار
سمعتني احنا لازم نتجوز.
ألصق بوجهه ابتسامة انتصار مشوبة بالانتشاء وهو يرد عليها
طالما دي رغبتك يا حبيبتي.
كل اللي تحلمي بيه يعتبر أوامر بالنسبالي.
انخدعت بكلامه المنمق وطريقته الملتوية في اللعب على عواطفها المرهفة وسقطت في فخه المحكم ليتمكن من استغلال الظروف وتطويعها وفق أهوائه لتقبل بما لا يمكن أن ترضى به في الأوضاع العادية.
علق في حواف رأسها مسألة البحث عن عمل جديد تعيل به أسرتها وتستخدم الدخل القادم منه في تلبية ما ينقص البيت من احتياجات ضرورية خاصة مع تعذر زوجها في العثور على عمل بديل أو ثابت خلاف ذلك الخيري الذي يتقاضى فيه مبالغ زهيدة بالكاد تكفي لسداد جزء ضئيل من المديونيات المتراكمة. استطاعت فردوس بدعم جارتها المقربة الحصول على وظيفة متواضعة في إحدى
ورش الخياطة القريبة ومع ذلك ترددت في القبول بها بسبب رضيعتها لكن حسمت إجلال الأمر بإبقاء الصغيرة معها طوال فترة غياب أمها عن المنزل لتحل بذلك أهم عقبة فيه. 
قبل موعد العمل بنصف الساعة كانت فردوس تقف أمام باب منزل جارتها مدت فردوس يدها بكيس بلاستيكي فيه ما قد تحتاج إليه ابنتها بعدما ناولتها تقى وأبدت اعتذارها الحرج منها وهي تخاطبها
معلش ياختي هتقل عليكي اليومين دول لحد ما أفهم الدنيا فيها إيه.
عاتبتها إجلال في عبوس زائف رسمته على تقاسيمها
ما تقوليش كده وربنا أزعل منك.
سرعان ما بدلته ليحتل تعبير وجهها آخر بشوش وهي توصيها
إنتي بس ركزي وربنا هيردك مجبورة الخاطر.
بدت غير مقتنعة بقدرتها على الاستمرار وراحت تشكو كعادتها مستخدمة يدها في تطويق عنقها كأنما تدعي اختناقها من تراكم الهموم على كتفيها
الحمل بقى تقيل عليا وأنا جبت أخري.
حاولت التهوين عليها بقولها المتفائل
كله بيعدي يا دوسة استبشري خير إنتي بس.
هزت رأسها بخفة ثم أضافت فيما يشبه الوعد
بكرة لما القرش يجري في إيدي هراضيكي.
اعترضت عليها بلطافة
وربنا ما عايزة حاجة ده كفاية عليا الملاك اللي قاعدة في حضڼي.
ثم شددت من ضمتها الحنون للرضيعة فنظرت إليها فردوس بعينين ينقص منهما العاطفة شتت نظراتها عن ابنتها عندما خاطبتها إجلال من جديد
يالا علشان ما تتأخريش.
لوحت لها بيدها تودعها وقد استدارت هابطة على الدرجات
فوتك بعافية!
انتظرت الأخيرة مغادرتها لتغلق الباب بهدوء وتبدأ في تمضية نهارها بصحبة من تسليها ببراءتها وتملأ عليها فراغ يومها الرتيب بمداعباتها المرحة.
في غضون شهرين كان مهاب قد انتهى من إكمال كل شيء ينقصه لإتمام مراسم الزيجة بعيدا عن الجميع ومتعمدا أيضا منع ابنه من الحضور لطبيعة ظرف زواجه في حين اندلعت مشاعر الحقد والغيرة بداخل نفس ممدوح الذي لم يكف عن مقارنة نفسه به لهذا صب جام غضبه على أوس وأصر على إبعاده هو الآخر عن عينيه بإرساله للمدرسة الداخلية بحجة أنها الأفضل في تهذيب وتطوير شخصيته المتمردة ولم يمانع والده فقد كان منشغلا بالاستمتاع برفاهية قضاء شهر العسل في واحدة من الدول الأوروبية ولم يكن بحاجة لمن يفسد عليه هذه المتعة الخاصة وإن عنى بذلك إقصاء وحيده.
اقتاده المشرف إلى غرفة مدير المؤسسة التعليمية بعدما وجده يتشاجر پعنف وقسۏة مع أحد الطلاب في الفناء الخلفي دون سبب يستحق ذلك لم تكن هذه مرته الأولى التي يحاصر فيها أحدهم وينهال عليه بالركلات واللكمات بل تكرر الأمر كثيرا وفي كل مرة يأتي بحجة مختلفة لكن مؤخرا لم يعد يعطي أي مبررات واستمر في افتعال المزيد من المشاحنات. انزعج المدير من سلوكه العدواني الذي صار ملازما له غالبية الوقت على غير عادته قديما. ما إن رآه حتى هتف به بصوت غاضب وهذه النظرة المشټعلة تتناثر في عينيه
إنت تاني
تعامل معه أوس ببرود وكأنه لم يقترف جرما وقف معتدا بنفسه وتجاهله عن عمد ليستشيط المدير حنقا فصاح يوبخه لفظيا
مش ممكن اللي بيحصل ده أعاقبك بإيه تاني
ظل على جموده معه مما استحث المدير على الصړاخ به
حتى استدعاء ولي الأمر مابقاش نافع معاك!!
تحرك المدير من موضعه ليبحث عن ملفه في الرف العلوي متابعا هديره المحتد
وجودك في المدرسة عندي بقى کاړثة.
وجده في المنتصف واستدار ناظرا إليه بغل وهو يخبره بصرامة
مستحيل تفضل هنا إنت بتدمر سمعة المكان.
بدا أوس غير متأثر بهياجه واكتفى بمتابعته بنظرته غير المبالية حتى عندما هدده
أنا هكلم أهلك يجوا ياخدوك.
ثم وجه بعدها المدير أمره للمشرف وهو يشير بسبابته
خليه مع الأخصائي لحد ما
أشوف هتصرف إزاي.
رد في طاعة
تمام يا فندم.
ثم اجتذب أوس بخشونة طفيفة من ذراعه ليدفعه أمامه وهو يأمره
اتفضل معايا.
نظر إليه شزرا وأكمل بما يحمل الإهانة
أهل إيه دول اللي جايبين عيل بالشكل ده!
ليظل على شروده الواجم بصالة منزله ورأسه لا يتوقف عن التفكير في كيفية إفساد استقراره الجديد بإعادة جره لطريق الملذات المحرمة والمجون فثمة شيء خبيث ما زال يضمره في صدره ضده لا ينقص بمرور الأيام بل إنه يزداد ترسخا بداخله. انتشله من دوامة انفصاله عن الواقع المحيط به صوت تهاني المتسائل وهي تقف قبالته
سرحان في إيه يا حبيبي
لفظ سحابة كبيرة من الدخان في الهواء وأجابها بنفس الرد الروتيني السخيف
في الشغل.
لم ترتب للحظة في أمره وتحركت من حوله لتجلس على مسند الأريكة فردت ذراعها لتحاوطه به من كتفيه واستخدمت يدها الأخرى في ملامسة طرف ذقنه برقة قبل أن تتساءل باهتمام
عندك مشاكل فيه ولا إيه
راوغها في الرد قائلا باقتضاب
يعني.
توهمت أن لانزعاجه علاقة بمن لا يتورع عن تكدير سلامها الأسري تلقائيا تصلبت في جلستها وسألته مباشرة
مهاب ضايقك تاني
قدمت له الحل المثالي للتغطية تماما على ما يدور في خلده فادعى كڈبا
هو أنا كنت مكلمه على زيادة في المرتب بتاعي بس هو طنشني.
تدلى فكها للأسفل وتابعته بملامح مزعوجة للغاية خاصة وهو لا يزال يتحدث بتذمر
طبعا عاملي فيها عريس جديد وأول مرة يتجوز وكل ده علشان يذلني.
في التو أخبرته وهي تنتقل من موضع جلوسها للاستقرار في حجره
ما تشلش هم حاجة طول ما أنا معاك يا حبيبي احنا الاتنين واحد.
وقال في شيء من الحرج لتنطلي عليها خدعة خجله من الاقتراض منها
أنا تقلت عليكي أوي يا تهاني المفروض أنا اللي أجيبلك كل اللي ينقصك مش العكس...
كادت ترد عليه لكنه أسكتها بوضع إصبعه على فمها مكملا بصوت أجاد إظهاره بأنه مخټنق
بس مهاب عارف إزاي

يضايقني وكل ده عشان أضطر أسيبك إنتي والبنات.
فزع داخلها وجف حلقها من مجرد توهم حدوث ذلك في التو احتضنت وجهه براحتيها وأخبرته بتوجس
متقولش كده ده أنا أروح فيها.
ارتمت في حضنه قائلة بقلب ما زال يدق في خوف
أنا كلي فداك.
ربت على ظهرها بخفة غير مكترث بإخفاء هذه البسمة اللعوب التي ظهرت على شفتيه تراجعت تهاني عنه لتطلب منه في تدلل رقيق
حبيبي ممكن أطلب منك طلب
سألها بجدية بعدما خبت ابتسامته
خير
لم تكن تملك من الشجاعة الكافية ما يجعلها تخبره بمسألة فصل ابنها من مدرسته الداخلية وإلا لثار عليها وتأزم الموقف فلجأت لحجة مناسبة أملت أن تنطلي عليه. تنحنحت قائلة بتردد
ينفع أوس يقضي معانا يومين الأجازة بتوعه هنا
تنهد في زفرة بطيئة وهو يرمقها بهذه النظرة المتشككة ثم قال بمكر ليبدو أمامها وكأنه خاضع لما تمليه عليه حتى يظفر بالمزيد من المال منها
مع إنه مزعلني آخر مرة بس علشان خاطرك بس.
مجددا ألقت بنفسها في أحضانه وهي تشكره بشدة
حبيبي ربنا يخليك لينا...
وإنت شوف
ناقصك إيه وأنا أجيبهولك وبزيادة.
التوى
 

 

68  69  70 

انت في الصفحة 69 من 79 صفحات