رواية ملاذي وقسۏتي بقلم دهب عطية
يختفي داخل تلك العباءة الفضفاضة الى ان فقدان وزنها واضح جدا وبلاخص
على قسمات وجهها...
حرك وجهه لناحية الآخرة وهو يزفر بضيق من
أهملها لنفسها ولإهمال ليس عاد عليها فقط بل
عاد على هذا الطفل الذي سياخذ نصيب من
أهملها حتما !!......
رجع بنظره لها حين سمع صړاخها وهي تزمجر في
ابنتها بتمهل....
ورد بلاش جري كده على سلالم... هقع.... ااااه..
وبدون ان تلاحظ حياة وضعت قدميها على اطراف
عبائتها لتتعثر في النزول وتكاد أن تقع.....
ااااه... سالم..... هتفت بأسمه تلقائيا.....
وقبل ان تستقبلها درج السلم الصلب...كانت
حياه انت كويسه في حاجه ۏجعتك....
تتأوه بخفوت........ وعينيها تتشربان من مللمحه
التي اشتاقت لكل ملمح منها......
أغمض عيناه بعذاب من كلمة كفيلة بحړق قلبه
.....
أبتعد عنها بجفاء ولبس قناع القسۏة البارد قائلا بجمود....
حاولي تاخدي بالك اكتر
وانت ماشيه..... حافظي على الأمانه اللي تخصني.... لانها لو جرا ليها حاجه
هتدفعي تمن اهمالك غالي.....
ابتعد عنها وحمل ورد وهو يقول بحنان....
حبيب بابا عامل إيه بقه....
الحمدلله يابابا وحشتني اوي .... بس انت لي دايما بترجع متاخر من الشغل انا مش بلحق أشوفك عشان بنام بدري.....
هحاول ارجع بدري عشان خاطر عيون ورد
الجوري....
أبتعد عن حياة وهو يدلف لغرفة السفرة...
اغمضت مقلتيها بتعب وانسابت دمعتان ثقيلتان من
عينيها على وجنتيها ببطء.. جلست على درج السلم..... وهي تنظر بحزن أمامها..داخلها تهمس پضياع...
...........................................................
عمل إيه المحامي مع وليد ياخيرية....
لسه الحكم النهائي للقضيه كمان
شهر ادعيله
المحامي مش مطمن بسبب التسجيل اللي في اعتراف إبنك...
مسك بكر قلبه وهو ينزعه المۏت نزعا......
انا تعبان اوي ياخيرية انا حاسس اني خلاص نهايتي قربت......
مالك يابو وليد...... انت هتقلقني عليك ليه إن شاء الله خير الدكتور طمني قال الضغط واطي بس شويه
ومع العلاج هتقوم بسلامه تاني....
مسك قلبه وهو يوصيها بتعب ووجه شاحب من
قلة الهواء الذي إنسحب من أمامه فجأه.....
قولي لامي تسامحني ياخيرية قوليلهاا
تسامحني.....
انسحبت الروح لخالقها بعد عدة لحظات...
بكر .....بكر .....ابو وليد رد عليه..... بكر ...
صړخت في أرجاء البيت لتدوي الصړخة النجع
باكمله...
...........................................................
وضع قطعة كبيرة من اللحم في الطبق أمامها وبعضا من الأرز وشربة الساخنة وهو ينظر لها
قائلا بأمر..
ياريت تخلصي الأكل ده كله.....
قالت پصدمة يصحبها الاعتراض ...
بس ده كتير أوي.....
ضاحكة راضية وهي ترد على حياة بمزاح...
المفروض يملى الطبق مرتين تلاته....
فغرت حياة شفتيها وهي تهمس پصدمة..
مش لدرجادي ياماما راضية.... انا مش هقدر اخلص الطبق ده أصلا.....
وضع سالم معلقة الارز امام فم ورد قال بحنان
افتحي بؤقك ياورد....
انت اللي هتاكلني يابابا.... سائلة الصغيرة وهي
تلتهم ما بالملعقة...
رد عليها سالم بنبرة ذات معنى...
ااه انا اللي هاكلك اصل ماما لازم تاكل كويس وتهتم بصحتها عشان اخوكي ينزل بخير ويكون كبير وشاطر ذيك كده ..
هتفت
ورد بحماس....
وعنده عضلات زيك.... يعني ياريت لو يطلع
شبهك يابابا هحبه اكتر.....
أبتسم لها بحنان وهو يكتفي بايماءة بسيطة...
محول انظاره على حياة التي تاكل بهدوء وعيناها
غامت پضياع....
مالى عليها وهو يهمس بأمر قاسې....
خلصي طبقك يامدام حياة.... وياريت تهتمي
بنفسك اكتر من كده.... وزي ماقولتلك قبل كده
اهمالك في ابني هتدفعي تمنه لو جراله اي
حاجه.....
بلعت مابحلقها وهي ترد عليه بسخط وبنفس الهمس قالت ....
متقلقش هاكل عشان ابنك ينزل سليم...
همس سالم بامر يصحبه القلق عليها ...
وخدي الأدوية بتاعتك في معادها.... عشان ميحصلكيش مضاعفة....
رفعت عينيها عليه بدهشة...
حمحم وهو يقول ببرود..
انا بقول كده عشان ابني ينزل كويس..
ابعد رأسه عنها وهو يتناول الطعام ويطعم ورد
التي تجلس بجواره من الناحية الآخرة......
اليوم التاني صباحا ......
نزلت دموع راضية وهي تمسك عكازها....
ادعيله برحمه يامي.... هتف رافت بتلك الجملة وهو يربت على كتف والدته راضية بحزن
على خبر وفات شقيقه بكر...
مسحت وجهه المجعد بمنديل ورقي وهي ترد
عليه بحزن.....
مش مصدقه اني راحه ادفن ابني وهحضر عزاه..
دا بدل ماهو اللي يدفني راحه انا ادفنه..
ربنا يخليكي لينا ياحني.. ادعيله برحمة.. نزل سالم من على الدرج بهيبته المعتادة وكان يرتدي عباءة بيضاء مهندم نفسه بجاذبية يتميز دوما بها... وكان يمسك بين يده مفتاح سيارته ......
نظرت له راضية پصدمة....
أنت رايح فين ياسالم.....
رد عليها بفتور....
هروح اوصلكم وهحضر الدفنه مع الرجاله
وقف اخد عزا عمي انا وابويا ....
قالت راضية باعتراض...
لا ياسالم بلاش انا عارفه انك ف..
مشكلتي انا ووليد هيحلها القانون.... ومشكلتي
مع عمي زمان لازم انسها انا والحاج رافت لان
بكر شاهين بقه من الأموات ولاموات مش بيجوز
عليهم غير الرحمه...... انا هستناكم في العربيه..
خرج من البيت وتركهم مصډومين من فتور حديثه ......
تطلعت عليه راضية وهي تبكي بحزن على تفرق
أولادها واحفادها بسبب الحقد وشياطين الأنس...
ربت رافت على كتف والدته قائلا بهدوء..
يلا يامي عشان نحضر الدفنه.....
تطلعت عليهم وهم يغادرون... دخلت سريعا الى
غرفتها وبدأت في تحضير حقيبة سفرها هي و ورد
كانت تطلع عليها ورد بعدم فهم....
ماما هو احنا مسفرين....
ااه ......مسفرين.....
مع بابا......
هزت راسها بنفي وهي تسرع في تحضير حقيبتهم
لا... لوحدنا..... بابا هيحصلنا .....
بعد ساعة كانت قد انتهت من تحضير حقيبة
السفر الكبيرة....... اخذت مبلغ بسيط حتى تدبر
به نفسها وحين تستلقي في مكانا ما
البارت الرابع والعشرون
شدد سرعة مقود السيارة متوجه الى محطة القطار حيث القطار الذي سيمر على محطة نجع العرب وسيكمل مساره الى محطة مصر القاهرة.....
خبط على سيارة پغضب وعيناه تتوهج بنيران
لن ترحمها قط.....
على ناحية الاخرة في محطة قطار نجع العرب...
تكاد تكون مزدحمة قليلا ببعض المرؤون والذين
لكلا منهم وجهته الخاصة....... تسير في المحطة
بعقلا لا يزال مشتت من حياة أخره بدون سالم...
شيئا ضائع منها غال ثمينا عليها لم تقدر على
ملئ فقدانه مهما حاولت سيظل عشقه وشم
صعب يمحى داخل قلبها وعقلها.....
هتفت ورد الصغيرة بتعب....
ماما أنا تعبت من المشي ينفع نقعد....
اومات لها بي لا...وحملتها على ذرعها وب. وبدأت بسحب حقيبة السفر ذات العجلات الصغيرة خلفها...
كانت مجهدة
بشكل واضح على ملامحها واتاها
الدوار مرة اخرى بسبب عدم اخذها للعلاج
وانعدام وجبة الإفطار اليوم بسبب هذا
المخطط المتسرع منها... الهروب من ...من
اكثر من عشقته في هذه الحياة البأسة
الهروب من عائلتها الوحيدة ....
انت يتيمة الآن بإرادتك ياحياة تذكري ذاك
الحرمان الذي كان بارادتك يوما ما ان تحرمي قلبك من عائلتك وعشقك الوحيد! تحدث ضميرها بعتاب
وقفت فجأه واعتصرت عينيها بتعب وضعف
هي تشعر انها تنزع روحها من جسدها
ولكن سالم لم يترك لها خيارات أخره....
هو لا يعرف غير القسۏة ونفور في خلال
هذا الأسبوع علمت جيدا ان الثقة قد انكسرت
بينها وبينه اصبح الفج الداخلي بين قلبها وقلبه
شاسع قد بات يفقدون شيء مهم وليتها تعرف
ماهو حتى تستعيده... الثقه هي الذي تنقص
علاقتهم ام ان صورة آلحب بينهم ينقصها خط
رفيع يحدد هوايتها !......
وقفت أمام استعلام المحطة.... قائلة للعامل بها
لو سمحت القطر اللي رايح القاهره هيدخل المحطة الساعه كام وهيطلع أمته......
نظر الرجل في أوراقه..... ورد عليها بهدوء..
القطر هيوصل كمان خمس دقايق...وبعد عشر دقايق بيطلع .....
شكرا.....
ذهبت من أمامه جالسة على اريكة صلبة امام سكة القطار واجلست ابنتها بجوارها..... زفرت بتعب وهي تمسح بالمنشفة القطنية قطرات العرق من جبينها.....
ماما انا جعانه.... هتفت ورد بجملتها وهي تنظر الى هذا المحل ذات المعجنات الساخنة.....
نظرت حياة نحو ما تنظر عليه الصغيرة ثم نظرت
لها وهي تبتسم بفتور....
طب خليك هنا اوعي تتحركي من مكانك...
نهضت حياة وهي تقف امام هذا البائع وعينيها لا تفارق مكان ورد الناظرة لها بتراقب......
في نفس ذات الوقت ......
كان يركض للبحث عنهم في كل مكان تقع عليه عيناه .....وجد امراة توليه ظهرها تشتري شيء
ما ......ركض عليها وكاد ان يقترب
منها فوجد المراة تستدير ويظهر وجها اخر
غيرها.......
زفر پغضب وهو يركض مرة آخرة وعيناه تلتهم كل إنشاء في تلك المحطة بدون رحمة....
هدر من تحت اسنانه پغضب قاتم ....
هوصلك ياحياه هوصلك وقبل حتى ماتخرجي من
النجع..... هتبقي تحت ايدي......هوصلك
اتسعت عينا سالم پصدمة......
اصدر القطار صوت عال ألتفتت حياة الى الرجل
وتاخذ منه المعجنات واستدرت سريعا توزع انظارها بين القطار وبين
المكان الجالسه به ابنتها لكنها وجدته فارغ...
ورد ......ورد.......هتفت بزعر و شفتيها ترتجف
پخوف ذهبت للمكان المنشود به ابنتها والفارغ أيضا حتى حقيبة السفر اختفت معها.....
رفعت جفنيها تبحث عنها حولها ببنيتان مزعورتان
وقلب يخفق برهبه...
إحساس صعب مش كده .....
هتف سالم جملته وهو يقف امامها بمسافة ليست
ببعيدة عنها ....كانتى عيناه ثاقبه عليها بسخط.....
انزلت حياة انظارها على صغيرتها التي مع
سالم وترمقها ببراءة...وباليد الاخرى وجدت حقيبة سفرها بين يده...
اصدر القطار صوت منذر انه على وشك الرحيل
من المحطة ....
نظر سالم على القطار
ومن ثم عليها وهو يقول ببرود..
معلشي يامدام حياة كان نفسي اقولك رحله
سعيده ....لكن للاسف مش هينفع دلوقتي ...
صوب نظرة على بطنها.....فوضعت كف يدها عليها بتلقائية قبل ان تقول بتوتر......
انا لازم امشي......
ابتسم سالم من زواية واحدة قبل ان يرد عليها بقسۏة......
بلاش استعجال خدي الامور ببساطه...هتمشي
بس بعد ماخد الامانه اللي تخصني......
رحل القطار بعد انتهى حديث سالم فنظرت هي
لرحيله بحزن......
لمح ندمها وإصرارها الواضح امام عيناه على البعد عنه وفراقه للأبد....
أولها ظهره وبين يده الصغيرة وهتف بنبرة ذات معنى..
ورد معايا في العربيه ......ياريت بلاش تاخير
ابتعد عنها خارج المحطة.....اغمضت عينيها
وهي تجلس على اقرب مقعد أمامها اسلبت عينيها
ونزلت دموعها بدون توقف ناظره الى مسار حياتها
و مصيرها معه ناظرة الى مستقبل مظلم ....وماضي مربك وحاضر مؤلم .......وعشق متعثر داخل قلبها
الهش بحرمانه !!.......
ليتك تعرف عڈاب الحب ليتك تدرك قيمة الحب !...
غرز اصابعه بقوة داخل خصلات شعره...
مشاعره تحطمت بسبب أفعالها... حياة
دوما تصر عليه في ان يرى حقيقة مكانته عندها
يا لها من مكانة هتف عقله بخزي ...
بابا هو احنا مش هنسافر زي ما ماما قالت...
نظر سالم لها في مراة السيارة ليرد عليها بعد تنهيدة تعب .....
اكيد هنسافر بس مش دلوقت وقت تاني لان
جالي شغل مستعجل......
لم تفهم نصف كلامه بسبب صغر سنها ولكن فهمت
النصف الاول من الحديث..... صمتت ونظرت الى نافذة السيارة وهي تلتهم شطيرتها الصغيرة الذي
احضرها لها سالم قبل دخولهم السيارة......
بعد دقائق قليلة....
فتحت الباب بجانب ابنتها وجلست وهي تمسح
عيناها من الدموع...... القى عليها سالم نظره خاطفه عبر المرآة الصغيرة أمامه ليشعل مقود السيارة سريعا وهو يقول بصوت هادئ لا يخلو من التوعد
في كلام كتير مبينا لسه هيبدأ.....
اشاحت عينيها عنه بإرتباك و
پخوف من القادم..... لن يتساهل سالم معها بعد
الآن ولسوء الحظ انها تعلم ذلك جيدا !....
كفايه عياط ياريم كفايه ياحبيبتي
ادعيله برحمة يابنتي.......
نزلت دموع ريم وهي تعانق جدتها وتهتف پألم
وحرمان......
بابا ماټ من قبل ماعرف طعم ياحنيي ماټ
من قبل ماحس أنه موجود معايا.....
نزلت دموع راضية بشفقة عليها... نعم هي تعلم ان حق ريم المسلوب منها هو .... حنية الأب..... وسند الاب ....نصيحة الاب..... حنان وخوف الأب .... حرمت ريم من كل تلك الأشياء لتصبح بقلبا يتيم مفتقد لرجلا في حياتها رجل يبقى الأمان وسند ويجتاح قلبها بقوة حبه لها